ایکنا

IQNA

المدارس القرآنية في النيجر....دراسة تحليلة

13:07 - March 22, 2018
رمز الخبر: 3468219
نيامي ـ إکنا: اكتسبت المدارس القرآنية المنتشرة في جميع أنحاء النيجر أهمية كبرى في نفوس المسلمين؛ حيث كانت هذه المدارس في الفترة التي سبقت إنشاء المدارس النظامية هي جهة التعليم الأساسية، وكان لها في السابق دور كبير في حفظ الهوية الإسلامية.
المدارس القرآنية في النيجر....دراسة تحليلة
وأفادت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا)، اكتسبت المدارس القرآنية المنتشرة في جميع أنحاء النيجر أهمية كبرى في نفوس المسلمين؛ حيث كانت هذه المدارس في الفترة التي سبقت إنشاء المدارس النظامية هي جهة التعليم الأساسية، وكان لها في السابق دور كبير في حفظ الهوية الإسلامية؛ حيث استطاعت الصمود في وجه التحديات التي كانت تستهدف طمس الهوية للشعوب الإسلامية.

 
وقد أطلق على المدارس القرآنية أسماء خاصة ذات دلالة مستمدة من البيئة البدوية والريفية التي تكثر فيها هذه المدارس مثل: مَكَرَنْتَا (بلغة الهوسا) في النيجر وجمهورية نيجيريا الاتحادية ودُودَالْ (بلغة الصنغاي الزرما)، ودُغْسِي في الصومال، كما يطلق عليها اسم «الدارا» في السنغال وغَرِيبُ في مالي و«المسيد» في المغرب والخلوة أو الخلاوي في السودان والكتَّاب في جمهورية مصر العربية والمحاظر في جمهورية موريتانيا الإسلامية وتعرف في بلاد الشام بالكتاتيب... إلخ.


وعلى الرغم من هذا الدور المهم المتمثل في تربية الأجيال ودفع عجلة الثقافة العربية والإسلامية إلى الإمام إلا أنه من المؤسف في الآونة الأخيرة مشاهدة ظاهرة التسول من قبل تلاميذ المدارس القرآنية، بيد أن هذه الظاهرة وإن كانت تتلقى تأييدًا من قبل فئات الشعوب إلا أن بعضهم الآخر يرى فيها إساءة للإسلام والمجتمع برمته.


النشأة والتاريخ
 
قبل الشروع في الحديث عن المدارس القرآنية يجب الإشارة إلى أن هذا الموضوع موضوع قديم أجري فيه دراسات عدة، وعلى الرغم مما أجري من دراسات حول التعليم الإسلامي في أفريقيا عموماً وفي النيجر خصوصاً إلا أن كثيرًا من نتائجها غير متاحة للباحثين كحال كثير من الدراسات العلمية في عالمنا الأفريقي.

 
وتعد المدرسة القرآنية مدرسة قائمة على شيخ واحد يدرِّس أغلب علوم الشريعة واللغة، وقد عرفها بعضهم بأنها مؤسسة تعليمية عالية يقودها عالم في فن واحد أو فنون عدة، يسهر عليها وعلى طلابها أخلاقيا وأدبيًا وماديًا حسبة منه لوجه الله تعالى، وهي بذلك المنهل العذب الذي يغترف منه أبناء المجتمع حفظ القرآن الكريم ومبادئ الإسلام، فينشأ عنها جيل متزن في تفكيره، معتدل في سلوكه.
 
 المدارس القرآنية في النيجر....دراسة تحليلة
ويرجع تأسيس المدارس القرآنية إلى وقت مبكر من تاريخ دخول الإسلام في هذه البقعة من الأرض قبل مجيء الاستعمار الفرنسي الذي عرقل هذه المدارس وفرض لغته وثقافته على الشعوب المسلمة، ومما ساعد على دخول الإسلام وانتشار تعاليمه في النيجر كونها «همزة الوصل بين الشعوب التي تقطن جنوب الصحراء، والتي تقطن شمالها»، ومن ثم لا نستغرب دخول الإسلام إلى بعض مناطق النيجر في وقت مبكر، على يد الرواية القائلة بدخوله على يد الصحابي الجليل عقبة بن نافع الفهري في عام 666هـ، وكان اهتمام النيجريين بالتعليم القرآني والإسلامي قديماً قِدم الإسلام فيها، وتجذب المدارس القرآنية مئات الآلاف من الطلاب ينتظمون في نحو 50 ألف مدرسة في مختلف أنحاء النيجر، وهي مدارس مجانية وتتيح مرونة في مواعيد الدراسة بها، وتسمح بانتظام الأطفال الذين يعملون بالحقول نهارا، وتمكنت من تطوير نظام تعليم يناسب معظم سكان البلاد.
 

دور المدارس القرآنية في تكوين أبناء المجتمع الإسلامي

وتعنى المدارس القرآنية بفئات كثيرة من المجتمع وخصوصاً أطفال ما قبل سن الدراسة  إلى الشباب  بمختلف الأعمار والمستويات ويمكن تصنيفها على النحو التالي: التعليم القرآني للصغار، والتعليم القرآني للكبار، وإذا أمعنا النظر في المدارس القرآنية منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر فإننا نجد أنها قامت بدور تربوي مهم تجاه أبناء المجتمع النيجري، كما لا يخفى على أحد أنها تعد العمود الفقري المحرك الفعال للثقافة الإسلامية واللغة العربية كما أنها تمثل حصنا منيعا في مواجهة الغزو الثقافي الذي تعرض له النيجريون في فترة الاستعمار وما بعده، وأسهمت المدارس القرآنية أيضاً في الحفاظ على هوية المسلمين وبقائهم متمسكين بدينهم؛ ذلك أن التعليم الحكومي السائد في أفريقيا إما أن يكون «علمانياً لا دينياً أو أن يكون كنسياً».

نظام التعليم في المدارس القرآنية

للمدارس القرآنية نظام قبول وتسجيل خاص يميزها عن القبول في المدارس الحكومية النظامية، والنظام التعليمي فيها لم يتطور ومازال يعتمد على النمط التقليدي ففيها يقبل فيه كل الأعمار، تجد فيها الغلام ابن الست والصبي ابن السابعة أو العاشرة والشاب ابن العشرين والكهل، ويقدم الآباء أبناءهم إلى المعلم «ويجبر الآباء أبناءهم في هذه المدارس على حفظ القرآن، فالمسألة بالنسبة إليهم دينية إلزامية قبل أن تكون ثقافية».

المدارس القرآنية في النيجر....دراسة تحليلة
ويحظى معلمو المدارس القرآنية بمكانة عالية واحترام في القرية أو المدينة؛ إذ يترك التلاميذ عنده وديعة يعلمهم بجانب القرآن مكارم الأخلاق والأدب.

 
وعند اكتمال القبول يقدم ولي أمره هدية لمعلم القرآن من نقود أو شاة أو ثور حسب طاقته وإمكانياته، وفي المقابل «لا يحصل معلم القرآن من حيث المبدأ على أي راتب مقابل قيامه بمهام علمه، فهو لا يحصل إلا على الهبات، بيد أنها هبات منتظمة وثابتة بدرجة يمكن اعتبارها نوعا من الأجر الإلزامي الذي يحصل عليه الشيخ مقابل خدمته»، وجرى العرف أن يتم قبول التلاميذ الجدد كل يوم أربعاء من كل أسبوع، وهنا يستحق الغلام حمل اللوح وهو عبارة عن قطعة مستطيلة من الخشب تصنع من أشجار خاصة، وتجري عملية التعليم الأولى في اللوح بأن يكتب الشيخ للطالب في البداية على اللوح إلى أن يثبت القلم في يده.


ويحرص في المدارس القرآنية على استعمال وسائل وأدوات معينة في التعليم، وهذه الأدوات جلها من البيئة المحبطة بالتلاميذ، فنجد أن اللوح الذي يكتب عليه الطلبة يكون من خشب الأشجار الموجودة في نواحي القرية كما أن القلم المستخدم في الكتابة يجري صنعه من مواد محلية وأشجار رقيقة ويصنع كل طالب أقلامه بنفسه ويستعين في ذلك بمواد متوافرة في بيئته، وهي الصمغ مضافا إليه نتاج حرق الفحم.
المدارس القرآنية في النيجر....دراسة تحليلة

ويستمر الطالب في تطبيقه إلى أن يختم القرآن حفظاً جيدا، وغالباً ما يتم في سنوات، وتسمى الختمة الأولى للقرآن ثم يبدأ بعدها الطالب قراءة القرآن من الأول وتسمى (العودة). وختم القرآن(سَبْكَا) هو أهم شيء؛ إذ يعد أهل الطلاب وأولياء أمورهم الولائم للتلاميذ الذين حفظوا القرآن تماماً.

مشكلات المدارس القرآنية

إن المدارس القرآنية في النيجر كغيرها من المدارس في أفريقيا لم تزل تواجه مشكلات عدة بعضها يعود إلى المدرسين وبعضها يعود إلى الآباء وبعضها يعود إلى الحكومة، ويمكن ذكر بعضها في الفقرات الآتية:

- عدم العناية الكاملة من قبل الحكومة.

- عدم تخصيص الرواتب لمعلمي تلك المدارس حتى يتسنى لهم أداء دورهم.

- عدم توظيف الطلاب المتخرجين من تلك الكتاتيب؛ مما أدى ببعض المعلمين إلى سلوك سبيل الشعوذة في طلب القوت.

- قلة معرفة حقوق الأولاد من قبل الآباء وأولياء الأمور مما يسبب تساهلهم في انخراطهم في تلك الزوايا.

- نقص التكوين التربوي للمعلمين.

- عدم وجود الفصول الدراسية على الطراز الحديث.

- عدم وجود منهج تعليم يؤخذ بعين الاعتبار لتعلم القرآن.

- اعتبار طلاب الكتاتيب أميين على الرغم من تعلمهم الكتابة والقراءة فضلا عن العلوم اللغوية والإسلامية.

وأخيرًا فإن المدارس القرآنية في النيجر وبالرغم من مظاهر الضعف والقصور التي يتسم بها الاهتمام بهذا التعليم القرآني، حققت إنجازات عدة عن طريق نشر اللغة العربية وبقائها كلغة حية في القارة، ولا تزال آثار التعليم القرآني جلية في مختلف مجالات الحياة العامة للنيجريين.

المدارس القرآنية في النيجر....دراسة تحليلة
بقلم: سالو الحسن ـ كاتب وباحث بجامعة نيامي النيجر. وأيوب لوالي- أستاذ اللغويات بجامعة نيامي
 
المصدر: al-forqan.net
captcha